إنتاج الحرير في السعودية- حلم يتحقق أم مجرد فكرة؟

المؤلف: خميس الزهراني09.04.2025
إنتاج الحرير في السعودية- حلم يتحقق أم مجرد فكرة؟

هل يمكن لهذه الرؤية أن تتحول إلى حقيقة واقعة؟ خاصة وأن المملكة اليوم تمثل نموذجًا فريدًا في تنويع المشروعات، وتسير بخطوات واثقة نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد في مختلف القطاعات.

منذ مدة استرعى انتباهي خبر حول توجه المملكة العربية السعودية نحو زراعة أشجار العود، على الرغم من كونها من كبار المستوردين لهذه المادة الثمينة على مستوى العالم.

وفي سياق متصل، وصلني خبر مماثل عن توصل فريق بحثي سعودي مرموق في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) إلى تطوير تصور مبتكر لزراعة الزعفران باستخدام تقنيات متطورة.

وهذا الأمر يفتح آفاقًا واسعة أمام سؤال يلح في ذهني: هل يمكن تكرار هذا النجاح مع إنتاج الحرير؟ هل تستطيع المملكة العربية السعودية أن تحقق إنجازًا مماثلًا وتنجح في إنتاج الحرير محليًا، بدلًا من الاعتماد الكلي على استيراده من الخارج؟

الحرير هو قمة الأناقة والجمال، ليس فقط مادة مترفة تتجول في أرجاء العالم وتفتن الأسواق بنعومتها التي لا تضاهى، بل هو أيضًا عنصر أساسي في صناعة كسوة الكعبة المشرفة، تلك الحرفة التي تتفرد بها المملكة منذ ما يزيد على قرن من الزمان. تخيلوا معي أنه في كل عام يتم استخدام ما يزيد على ألف كيلوغرام من الحرير الخام لإنتاج كسوة بيت الله الحرام، ما يعني أن إجمالي الاستهلاك على مدار مئة عام يتجاوز مئات الأطنان، وكل هذه الكميات يتم استيرادها من الخارج، حيث تصل إلى المملكة على شكل خيوط خام، مغطاة بمادة السيريسين، وهي المادة الصمغية التي تفرزها دودة القز أثناء بناء شرنقتها، ليتم بعد ذلك معالجتها في معامل متخصصة داخل مجمع الملك عبدالعزيز لصناعة كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. هذا الاعتماد المستمر على الاستيراد يثير تساؤلًا هامًا: لماذا لا يتم العمل على استزراع هذا المورد القيم محليًا؟

لاستكشاف إمكانية تحقيق هذا الطموح، يجب أولًا دراسة مدى توافق البيئة السعودية مع متطلبات استزراع دودة القز، التي تعتمد في تغذيتها بشكل أساسي على أوراق شجر التوت.

المملكة تزخر بتنوع جغرافي فريد، فهي دولة مترامية الأطراف، تتضمن مرتفعات معتدلة، وسهولًا منبسطة، وأودية خصبة، وحتى مناطق ساحلية متنوعة، مما يجعل من الممكن تحديد مواقع مثالية لإنشاء مزارع لأشجار التوت، سواء في بيئة طبيعية أو داخل مزارع يتم فيها التحكم في الظروف المناخية لضمان استدامة الإنتاج.

يجب أن يكون الهدف من هذا المشروع في مراحله الأولى ليس تحقيق الاكتفاء الذاتي على الفور، بل القيام بتجربة عملية دقيقة لتقييم مدى ملاءمة الظروف البيئية، ثم التوسع تدريجيًا وفقًا للنتائج التي يتم التوصل إليها.

لقد أثبتت التجارب العالمية أن تربية دودة القز ليست مقتصرة على مناطق جغرافية معينة، بل يمكن توفير الظروف الملائمة لها حتى في بيئات غير تقليدية. ومع توافر الإرادة القوية والاستثمار في البحث والتطوير، يمكن للمملكة ليس فقط تلبية احتياجاتها السنوية من الحرير، بل قد تتحول في المستقبل إلى واحدة من أهم الدول المصدرة لهذه المادة النفيسة.

لقد أثبتت المملكة العربية السعودية من خلال العديد من التجارب الناجحة أنها ليست مجرد مستهلك في الأسواق العالمية، بل أصبحت دولة قادرة على إطلاق صناعات جديدة وتحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام.

إذا تكللت تجربة زراعة العود بالنجاح، وغيرها من التجارب الرائدة التي تخوضها المملكة في هذا المجال، ومع هذا التوجه الملحوظ نحو إعمار الأرض بالأشجار والنباتات، أعتقد أننا على أعتاب تحدٍ جديد قد نشهده في المستقبل القريب، ألا وهو إنتاج الحرير السعودي.

هذه الرؤية ليست ضربًا من الخيال، والتحديات تستحق بذل الجهود ومضاعفة المحاولات.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة